خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح
صور من سلوك التابعين ، خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر ، للشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 18 ربيع الأول 1441 هـ ، الموافق 15 نوفمبر 2019.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين ، للشيخ عبد الناصر بليح :
خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر : صور من سلوك التابعين
ــــــــــــــــــــــ
#العالم الزاهد والحاكم العادل الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز أنموذجاً”
الحمد لله رب العالمين.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ”(مسلم).اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد فيا جماعة الإسلام
قال تعالي: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا “(الأحزاب/23).
إخوة الإسلام: “إن حياة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ومن بعدهم حياة التابعين فيها مواقف عظيمة تدل على مدى قوة إيمان هؤلاء الناس، فلقد ملأوا الدنيا نورًا بعلمهم وبأخلاقهم، واستطاعوا أن يغتنموا كل وقتهم في طاعة الله تعالى والتقرب إليه،. وحديثنا إليكم اليوم عن سلوك التابعين والنموذجان اللذان معنا اليوم هما تقي الدين الحسن البصري التابعي العالم الواعظ الورع وخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز الحاكم العادل حفيد عمر بن الخطاب نتخذهما نموذجاً للسلوك في القول والفعل والحكم والعدل :
#فالأول هو الحسن بن يسار البصري، كنيته أبوسعيد، وولد في سنة 21 هـ/ 642م، بالمدينة المنورة، وتوفى أول رجب سنة 110 هجريا، عاش 80عاماً.
وهو من جيل التابعين وليس من جيل الصحابة لأنه لم يولد في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ومع ذلك فقد روي أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عندما سمعته يرتل القرآن قالت “من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء”، وفيه قال حجة الإسلام الغزالي: “كان الحسن البصري أشبه كلاما بالأنبياء وأقربهم هديا الى الصحابة وكان غاية في الفصاحة تتصبب الحكمة من فيه”.
تربية “البصري” في بيت من بيوت النبي صلي الله عليه وسلم:”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخوة الإسلام:” نشأ وترعرع الحَسَنُ بن يسار(الذي عُرِفَ فيما بعد بالحَسَن البَصْرِي) في بيتٍ من بيوت رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، ورُبِّيَ في حِجر زوجةٍ من زوجات النبي “صلى الله عليه وسلم” هي (هِنْدُ بِنْتُ سُهَيْلٍ) المعروفة بأُمِّ سَلَمَة. وكان الحسن يتقلب في تلك الموارد العذبة التي حفلت بها بيوت أمهات المؤمنين ويتتلمذ على أيدي كبار الصحابة في مسجد رسول الله “صلى الله عليه وسلم”؛ حيث روى عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله وغيرهم.
#ولع “البصري” بأمير المؤمنين عمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنه أولع أكثر ما أولع به بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد راعه منه صلابته في دينه، وإحسانه لعبادته، وزهادته بزينة الدنيا وزخفها، وحكمته البالغة، وأقواله الجامعة، وعظاته التي تهز القلوب هزًا، فتخلق بأخلاقه في التقى والعبادة، ونسج على منواله في البيان والفصاحة.
وقد لزم الحسن المسجد، وانقطع إلى حلقة عبد الله بن عباس حبر أمة مُحَمَّدٍ وأخذ عنه التفسير والحديث والقراءات كما أخذ عنه وعن غيره الفقه، واللغة، والأدب، وغيرها حتى غدا عالمًا جامعًا فقيهًا ثِقَةً فأقبل النّاس عليه ينهلون من علمه الغزير والتفُّوا حوله يصيخون إلى مواعظه التي تستلين القلوب القاسية، وتستدِّر الدموع العاصية، ويعون حكمته التي تخلب الألباب ويتأسون بسيرته التي كانت أطيب من نشر المسك، ولقد انتشر أمر الحسن البصري في البلاد وفشا ذكره بين العباد فجعل الخلفاء والأمراء يتساءلون عنه ويتسقطون أخباره، (يتتبعون اخباره).
#سبب تسميته بالبصري؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما بلغ الحسن أربعة عشر ربيعًا من عمره، ودخل في مداخل الرجال انتقل مع أبويه إلى (البَصْرَةِ) واستقرَّ فيها مع أسرته، ومن هنا نسب الحسن إلى (البَصْرَةِ) وعُرِفَ بين الناس بالحسن البصري.
كانت (البَصْرَةُ) قلعة من أكبر قلاع العلم في دولة الإسلام، وكان مسجدها العظيم يموج بمن ارتحل إليها من كبار الصَّحابة وجِلَّةِ التابعين، وكانت حلقات العلم على اختلاف ألوانها تعمُرُ باحات المسجد ومصلاه.
#الثاني: “أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمه: أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ووالدها: أبو عمرو عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، ولد عام (61هـ\681م – 101هـ\720م)، عاش 40عاماًهو ثامن الخلفاء الأمويين، عمر الثاني خامس الخلفاء الراشدين .
ولد بالمدينة المنورة، ونشأ فيها عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة، وكان شديد الإقبال على طلب العلم. وفي سنة 87هـ، ولّاه الخليفة الوليد بن عبد الملك على إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، فصار والياً على الحجاز كلها، ثم عُزل عنها وانتقل إلى دمشق. فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة قرّبه وجعله وزيراً ومستشاراً له، ثم جعله ولي عهده، فلما مات سليمان سنة 99هـ تولى عمر الخلافة.
تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات، منها: العدلُ والمساواة، وردُّ المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها، وتطهير الفساد وعزلُ جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف. استمرت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام29شهراًحتى قُتل مسموماً سنة 101هـ، فتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده.
#الحسن والخلافة الإسلامية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة الإسلام:” الإمام الحسن كان من أئمة المعارضة كأبي ذر الغفاري سواء بسواء لما أحدثه بنو أمية في فلسفة الحكم الإسلامي ونظام الخلافة الإسلامية، ولهذا لم يؤيد من خلفاء تلك الدولة الأموية سوى خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز، إذ تولى قضاء البصرة في عهده، وكان له ناصحا وعليه مشيرا، يكتب له الرسائل قبل وبعد توليه إمارة المؤمنين والمراسلات بينهما نموذج من نماذج فكر السياسة والإدارة والإصلاح لواقع الأمة في ذلك التاريخ.
#معارضة الحسن للدولة الأموية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة الإسلام وقبل أن نتحدث عن الحسن وعمر بن عبدالعزيز وماذا كان يجمعهما لآبد أن نلقي الضوء علي الخلافة الأموية وقد عارضها الحسن ولكن لم تصل المعارضة الى درجة الخروج عليها وحمل السلاح ضدها، لأنه كان كمؤرخ يدرك ما جرته مثل هذه الأحداث من مآس وآلام على الذين كان كثير منهم من تلامذته، بل وعلى عامة الناس وحضر ما حدث بين علي ومعاوية وموقعة الجمل وغيرها ، فكان يشترط لتأييد مثل هذه الأحداث وللانخراط فيها أن تجتمع للحدث أسباب التمكن أي غلبة الظن في النصر .
ولم يسلم الحسن البصري من أذى بني أمية واضطهاد ولاتهم على العراق وخاصة أذى الحجاج بن يوسف الثقفي فقطعوا عنه العطاء وأحاطوه بالعيون والجواسيس، بل اضطر إلى الهرب من ملاحقتهم عندما هموا بسجنه حتى ماتت ابنته وهو هارب فلم يستطع الصلاة عليها ولم يحضر مواراتها التراب، ولكن هذا الاضطهاد الذي استمر لسنوات لم يمنعه من إعلان نقده وإدانته لمظالم الأمويين.
وعندما أخذت الدولة الأموية تبرر أفعالها وساندتها في ذلك فرقة المرجئة التي تدعو الى إرجاء ذلك الى الله تعالى يوم القيامة، عندما أخذ هذا الفكر يبرر لذلك الواقع كان الحسن البصري طليعة الذين تصدوا لمناهضة الفكر الجبري، فكانت مدرسته الفكرية التي اشتهرت بمدرسة أهل العدل والتوحيد، هي أولى المدارس التي تبلورت في تاريخنا الحضاري.
#لقاء “البصري” و”الحجاج”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخوة الإسلام:” لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وطغى في ولايته وتجبّر, كان الحَسَن البَصْرِيُّ أحد الرجال القلائل الذين تصدَّوا لطغيانه وجهروا بين الناس بسوء أفعاله وصدعوا بكلمة الحق في وجهه.
من ذلك أن الحجاج بنى لنفسه بناء في (واسط) فلما فرغ منه، نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه والدعاء له بالبركة، فلم يشأ الحَسَن أن يفوِّت على نفسه فرصة اجتماع الناس هذه، فخرج إليهم ليعظهم ويذكّرهم، ويزهدهم بعرض الدنيا، ويرغبهم بما عند الله عزَّ وجل، ولمَّا بلغ المكان، ونظر إلى جموع الناس وهي تطوف بالقصر المنيف مأخوذة بروعة بنائه، مدهوشة بسعة أرجائه مشدودة إلى براعة زخارفه وقف فيهم خطيبًا، وكان في جملة ما قاله:
لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين؛ فوجدنا أنَّ (فرعون) شيَّد أعظم مما شيَّد، وبنى أعلى مما بنى، ثم أهلك الله (فرعون)، وأتى على ما بنى وشيَّد، ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض قد غرُّوه.. ومضى يتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السَّامعين من نِقمَةِ الحجاج، فقال له: حسبك يا أبا سعيد.. حسبك، فقال له الحَسَن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم لَيُبَيِّنُنَّهُ للناس ولا يكتمونه.
وفي اليوم التالي دخل الحجاج إلى مجلسه وهو يتميز من الغيظ وقال لجلاسه:
“تبًّا لكم وسحقًا، يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه!! والله لأسقينكم من دمه يا معشر الجبناء، ثم أمر بالسيف والنّطع، فأُحضرا(النطعُ: بِسَاطٌ من الجلد كثيراً ما كان يُقتَلُ فوقَه المحكومُ عليه بالقتل)،ودعا بالجلاد؛ فمثل واقفًا بين يديه، ثم وجه إلى الحَسَن بعض شرطه وأمرهم أن يأتوه به، وما هو إلا قليل حتى جاء الحَسَن، فشخصت نحوه الأبصار ووجفت عليه القلوب.
فلما رأى الحَسَن السيف والنطع والجلاد، حرَّك شفتيه، ثم أقبل الحجاج وعليه جلال المؤمن وعزة المسلم ووقار الداعية إلى الله، فلما رآه الحجاج على حاله هذه هابه أشد هيبة وقال له: ها هنا يا أبا سعيد.. ها هنا.. ثم ما زال يوسع له ويقول ها هنا.. والناس ينظرون إليه في دهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه.
ولما أخذ الحَسَن مجلسه التفت إليه الحجاج، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحَسَن يجيبه عن كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر وعلم واسع.
فقال له الحجاج: أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم دعا بغالية؛(الغَالِيَةُ: أَخلاط من الطيب كالمسك والعنبر) وطيَّب له بها لحيته وودعه.
ولما خرج الحَسَن من عنده، تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وإني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع؛ قد حركت شفتيك، فماذا قلت؟ فقال الحَسَن: لقد قلت: يا وليَّ نعمتي وملاذي عند كربتي؛ اجعل نقمته بردًا وسلامًا عليَّ كما جعلت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم.( من كتاب “صور من حياة التابعين”).
قيل إن رجلًا أتى الحسن فقال: يا أبا سعيد إني حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار فما تقول أقيم مع امرأتي أم أعتزلها؟ فقال له: قد كان الحجاج فاجرًا فاسقًا وما أدري ما أقول لك! إن رحمة الله وسعت كل شيء، وإن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف فرد عليه شبيهًا بما قاله الحسن وإنه أتى عمرو بن عبيد فقال له: أقم مع زوجتك فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا ذكر ذلك.
# الحسن البصري وابن هبيرة ووعظه إياه دون خوف :”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا ابن هبيرة كان والياً على العراقيين ؛ والمقصود بالعراقيين البصرة والكوفة في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك ، وكان يزيد يرسل إليه بالكتاب بعد الكتاب ويأمره بتنفيذ ما في تلك الكتب حتى ولو كان مخالفاً للحق أحيانا، فدعا ابن هبيرة عالميْن؛ هما الحسن البصري، وعامر الشعبي يستفتيهما في ذلك، هل له مخرج في دين الله أن ينفذ تلك التعليمات بما فيها من مخالفة للدين ؟
فأجاب الشعبي جواباً فيه ملاطفة ومسايرة والحسن ساكت، فالتفت ابن هبيرة إلى الحسن وقال: ما تقول يا أبا سعيد ؟ فقال: يـا بن هبيرة! خَف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله عز وجل يمنعك من يزيد ، وأن يزيد لا يمنعك من الله.
يـا بن هبيرة ! إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك حيث لا تجد هناك يزيد ، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد .
يـا بن هبيرة ! إنك إن تكن مع الله وفي طاعته يكفك بائقة يزيد، وإن تكن مع يزيد في معصية الله فإن الله يكلك إلى يزيد.
فبكى ابن هبيرة حتى بللت دموعه لحيته، ومال عن الشعبي إلى الحسن وبالغ في إعظامه وإكرامه.
فلما خرجا من عنده توجها إلى المسجد فاجتمع عليهما الناس وجعلوا يسألونهما عن خبرهما مع ابن هبيرة، فالتفت الشعبي إليهم وقال: “أيها الناس! من استطاع منكم أن يؤثر الله عز وجل على خلقه في كل مقام فليفعل؛ فوالذي نفسي بيده! ما قال الحسن لـابن هبيرة قولاً أجهله، ولكني أردت فيما قلته وجه ابن هبيرة ،وأراد الحسن وجه الله فأبعدني الله منه، وقرب الحسن وحببه إليه.
وينبغي علي الحاكم ان يسمع للعالم العامل الناصح لوجه الله وليس للعالم المنافق الذي يبتغي الكرسي ومصلحته الخاصة ..
#الحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز:”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخوة الإسلام :الحسن رضي الله عنه لم يؤيد سوي عمر بن عبدالعزيز من حكام الدولة الأموية .وكان الحسن يكبره بأربعين عاماً . وكان عمر بن عبد العزيز يطلب منه الموعظة دائماً فيقول له عظني يا تقي الدين يقول الحسن يا أمير المؤمنين: “صُم عن الدنيا و أفطر على الموت و أعد الزاد لليلة صبحها يوم القيامة” ويرسل له رسالة عظني ولا تكثر علي يقول الحسن :” خالف هوي نفسك ” لأن هوي النفس من المهلكات ثلاث مهلكات شح مطاع وهو متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه”
وذكر ابن أبي الدنيا أن الحسن البصري كتب الى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن الدنيا دار ظعن، ليست بدار إقامة، إنما أنزل إليها آدم عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، لها في كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها. هي كالسم يأكله من لا يعرفه، وهو حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه، يحتمي قليلًا، مخافة ما يكره طويلًا، ويصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء، فاحذر هذه الدار الغرارة، الخداعة الختَّالة، التي قد تزينت بخدعها، وفتنت بغرورها.. “
وكتب عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه لما ولى الخلافة إلى الحسن بن أبى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل ، فكتب إليه الحسن رحمه الله:
“اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفت كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنها من أذى الحر والقرّ. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كبارًا، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرهًا، ووضعته كرهًا، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصى اليتامى، وخازن المساكين، يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده.
والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملّكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله. ..الخ ما قال..
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم –أو كما قال –توبوا إلي الله.
الخطبة الثانية من خطبة الجمعة القادمة 15 نوفمبر :”
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد: فيا جماعة الإسلام: لازلنا نواصل الحديث حول سلوك التابعين فتقي الدين الحسن البصري كان خطيباً مفوهاً وواعظاً بليغاً وعالماً عاملاً وفقيهاً فاهماً وتعلم منه عمر بن العزيز الكثير والكثير وطلب منه الموعظة للعظة والعمل بها وليس مخافة منه لأنه كان جريئاً علي الحكام وأخذ تلك المواعظ نبراساً له سواء في الحكم أو الحياة الدنيوية والأخروية ومن ذلك :”
#قيل للحسن إن فلانًا اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك بهذا. وكان يقول: “نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أقبل منكم شيئًا. وقال له رجل: إن قومًا يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلًا (أي يتصيدون الأخطاء). فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطعمتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطعمتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلًا، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟
هكذا تعلم عمر فقد دخل رجل على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى:
فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا، فأنت من أهل هذه الآية: “إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا”(الحجرات: 6).وإن كنت صادقًا، فأنت من أهل هذه الآية: “هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ”(القلم: 11)، وإن شئت عفونا عنك. فقال: العفو، يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا”(إحياء علوم الدين للغزالي).
#الحسن البصري وثقته في الله وخوفه منه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الحسن زاهداً في الدنيا فكان دائماً يقول: “علمت أن رزقي لا يأخذه غيرى فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيرى فاشتغلت به وحدى، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني عاصياً، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربى “وقد جاء جماعة فقالوا: يا أبا سعيد ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟ فقال: ماله؟ فقلنا: دخلنا عليه آنفا وهو يجود بنفسه فقال انظروا إلى ذاك الصندوق -وأومأ إلى صندوق في جانب بيته- فقال:
هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار لم أؤد منها زكاة ولم أصل منها رحماً ولم يأكل منها محتاج فقلنا: يا أبا عبد الله فلمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان ومكاثرة الأقران وجفوة السلطان فقال الحسن: انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه ومكاثرة أقرانه وجفوة سلطانه!؟ ثم قال أيها الوارث لا تُخدعن كما خُدع صويحبك بالأمس جاءك هذا المال لم تتعب لك فيه يمين ولم يعرق لك فيه جبين جاءك ممن كان له جموعاً منوعاً من باطل جمعه ومن حق منعه ثم قال الحسن إن يوم القيامة لذو حسرات الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر فيجد ماله في ميزان غيره.
#وهكذا تعلم عمر الحاكم الزاهد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كان عمر بن عبد العزيز مثلاً أعلى في الزهد في زمانه؛ فعن مكحول قال: “لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز”، وقال مالك بن دينار: “الناس يقولون: إني زاهد؛ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها” وقال عمر في بعض خطبه: “إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، تسر قليلاً وتحزن طويلاً”.
لما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة:
والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي، هل تبكي معنا !! ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
ــ ثم نزل في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة، فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام – وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر، تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا، ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا – قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا، واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.
بالعدل لا بالقهر يصلح الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ كان أول مرسوم اتخذه، عزل الوزراء الخونة الظلمة الغاشمة، الذين كانوا في عهد سليمان، استدعاهم أمامه وقال لشريك بن عرضاء: “أُغرُب عني يا ظالم رأيتك تُجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط، وتُجوّعهم وأنت في الخيام والإستبرق .وفي أحد المواقف كتب إليه واليه على خراسان واسمه الجراح بن عبد الله يقول : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.
#وهكذا إخوة الإيمان والإسلام :”
عندما يجتمع العالم الناصح الزاهد مع الحاكم العادل التقي يصلح الله بهما البلاد والعباد فقد ملأ عمر بن عبد العزيز طباق الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وقضي علي فساد بني أمية وأغني الناس وجمع الزكاة فلم يجدوا فقيراً ولا مسكيناً
فأمر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: أن أرسلوا منادياً ينادي في ديار الإسلام:
أيها الناس: من كان عاملاً للدولة وليس له بيتٌ يسكنه فلْيُبْنَ له بيتٌ على حساب بيت مال المسلمين.
يا أيها الناس: من كان عاملاً للدولة وليس له مركَبٌ يركبه، فلْيُشْتَرَ له مركب على حساب بيت مال المسلمين.
يا أيها الناس: من كان عليه دينٌ لا يستطيع قضاءه، فقضاؤه على حساب بيت مال المسلمين.
يا أيها الناس: من كان في سن الزواج ولم يتزوج، فزواجه على حساب بيت مال المسلمين. أيها الناس من كان عنده عبد فعتقه علي بيت مال المسلمين ..
فأعتق العبيد وزوج الشباب الاعزب وانقضى الدين عن المدينين وبني بيت لمن لا بيت له وصرف مركب لمن لا مركب له هل سبق وان سمعتم حضارة على مر العصور والازمنة حدث فيها مثل ما حدث في عهد الخليقة الاسلامي عمر بن عبد العزيز ولكن المفاجئة الأكبر هي أن الشكوى ما زالت مستمرة بعدم وجود اماكن لتخزين الاموال و الخيرات!، فيرسل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى ولاته:
” عُودوا ببعض خيرنا على فقراء اليهود والنصارى حتى يسْتَكْفُوا “، فأُعْطُوا، والشكوى ما زالت قائمة، فقال: وماذا أفعل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، خذوا بعض الحبوب وانثروها على رؤوس الجبال فتأكل منه الطير وتشبع. حتى لا يقول قائل: جاعت الطيور في بلاد المسلمين..
اللهم اصلح حال البلاد والعباد يا رب العالمين. اللهم اجعل مصر سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
______________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للمزيد عن أسئلة واختبارات وزارة الأوقاف
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف